التصوير بدل التغيير حين يصبح المسؤول "نجمًا إعلاميًا" لا رجل دولة
![]() |
المخرج الاكبر والفنان الاعظم ابو محمد الجولاني |
هل تحوّلت الوظيفة العامة إلى مسرح استعراض شخصي؟
في مشهد يتكرر بشكل ممل ومستفز، لا تكاد تمر أيام دون أن نشاهد مسؤولًا ما، محاطًا بالكاميرات، يوزع الابتسامات ويُلقي الأوامر أمام الجمهور وكأننا أمام إعلان تجاري وما إن تنطفئ أضواء الكاميرا، حتى تختفي الوعود، ويتبخر الوجود ويعود المواطن إلى معاناته المعتادة.
الحقيقة المُرّة أن كثيرًا من المسؤولين لم يعودوا يذهبون إلى مواقع العمل لحل المشاكل، بل لإنتاج محتوى إعلامي يخدم صورتهم لا غير. المهمة الحقيقية لم تعد إصلاح الطرق، أو معالجة النفايات، أو الاستماع إلى شكاوى الناس، بل أصبحت: "كيف أبدو جيدًا أمام الكاميرا؟"
نحن أمام حقبة جديدة من السياسة الزائفة : حيث يتم التحضير للزيارة أكثر من التحضير للحل ويُنفق على التصوير أكثر مما يُنفق على الخدمة ذاتها ويصبح المواطن مجرد "كومبارس" في لقطة تُنشر على وسائل التواصل.
![]() |
محافظ دمشق الجديد ووزير الثقافه في جلسة تصوير اثناء الصلاه |
غياب النتائج... وحضور دائم للكاميرا!
لا أحد ينكر أن التوثيق الإعلامي مطلوب، ولكن حين يُصبح كل تحرك رسمي مقيدًا بعدسة، وكل خطوة مشروطة بتصوير، فاعلم أننا أمام خلل خطير. المسؤول الذي لا يعمل إلا عندما تكون الكاميرا حاضرة، هو شخص يخدع الناس، ويخدع نفسه قبلهم.
في الواقع، هذه الحملات التصويرية : تُجمّل الواقع القبيح بدل إصلاحه وتُغطي على الفشل بدل الاعتراف به وتخلق فجوة بين الناس والحكومة، حيث يُنظر إلى كل تحرك رسمي على أنه تمثيلية لا أكثر
الأسوأ من ذلك، أن بعض هؤلاء المسؤولين يصنعون أزمات مفتعلة فقط ليظهروا كأبطال في حلها. يُخلق الخلل عمدًا، ثم يُصلح أمام الكاميرا، ليخرج الفيديو بعنوان: "جهود لا تتوقف!"، وكأننا لا نعيش هذا العبث يوميًا!
الشعب لم يعُد ساذجًا : ما يغفل عنه كثير من المسؤولين أن هذا الشعب أكثر وعيًا وذكاءً مما يتصورون. المواطن البسيط يستطيع اليوم أن يُميّز بين من يعمل بصمت، ومن يُتقن الإخراج فقط. لم تعُد الصورة تُقنع، ولم تعد اللقطة تُغطي الحقيقة.
الناس تريد خدمات، لا سيلفي. تريد ماءً نقيًا، لا مشهدًا راقيًا. تريد طريقًا آمنًا، لا مسؤولًا مبتسمًا.
![]() |
ابو احمد حدود انس خطاب وزير داخلية سوريا الجديد |
كفى استعراضًا... وابدؤوا بالعمل!
ما نحتاجه اليوم هو أن نرى مسؤولين يشتغلون حين لا تكون الكاميرا موجودة، يزورون الميدان بدون إعلام، يسمعون للناس بدون حاشية، ويُنجزون بدون الحاجة إلى تسويق.
لأن المسؤول الحقيقي لا يحتاج إلى "مخرج" يصنع له البطولة... فعمله وحده هو ما يصنع مجده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اترك تعليق لتشجيعنا على الاستمرار دمتم بكل خير مع تحيات شبكة زينو ياسر محاميد