خلال الأيام الماضية ، قامت عناصر مديريات الهجرة في مدينتي ( عنتاب و كلّس ) بترحيل المئات من اللاجئين السوريين إلى مناطق الشمال السوري .
عمليات الترحيل ( القسرية ) طالت معظم الفئات العمرية و الجنسية لدى مجتمع اللاجئين السوريين ( رجال ، نساء ، شباب ، أطفال ) ، و قد تمّ توثيق معظمها في ميدان إنتهاكات المواد و الفقرات القانونية لنظام الحماية المؤقتة و لحقوق الإنسان .
من جانب ٍ آخر ، قامت بلدية مدينة عنتاب بإغلاق العديد من الأماكن و المحال التجارية التي يديرها ( أو تعود ملكيتها ) للاجئين السوريين ، و ذلك تحت ذرائع و حجج شتى .
معظم الكوادر و الوسائل الإعلامية ( التركية + السورية ) أكدت على أنّ ما تشهده مدينة عنتاب من عمليات ترحيل ( قسرية ) تقوم بها عناصر مديرية الهجرة جاءت بعد بيان نشرته 41 منظمة مجتمع مدني تركية ( في 17 من شهر حزيران الراهن ) .
حينها ، كان بيان المنظمات التركية قد أطلق تحذيرات بأنّ المدينة باتت تغرق تحت وطأة تواجد اللاجئين السوريين ، الأمر الذي سيعقبه تغيرات ديمغرافية و إجتماعية و إقتصادية تهدد هوية و ثقافة و مستقبل المدينة ، كذلك أكد البيان على أنّ الحياة في المدينة غدت لا تطاق بسبب تواجد اللاجئين السوريين فيها .
المنظمات التركية المشاركة و الموقعة على البيان طالبوا الحكومة التركية بإعادة النظر في سياستها تجاه ملف اللاجئين السوريين ، و العمل على تسهيل عودتهم ( الطوعية ) إلى بلادهم .
▪︎ بيان المنظمات التركية و الذي أطلق تحذيرات من تغيرات ديمغرافية في المدينة بسبب تواجد اللاجئين السوريين جاء بعد أيام قليلة من تصريحات Devlet Bahçeli زعيم حزب الحركة القومية MHP ( في 11 من شهر حزيران الراهن ) ، و الذي أكد فيها على إلزامية تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ، و أنهم باتوا يشكلون خطراً على ديمغرافية المجتمع التركي .
من جانب آخر ، يوم أمس ، عقد وزير الداخلية Ali YerliKaya في مدينة عنتاب لقاءً مع ممثلين لعدد من منظمات المجتمع المدني التركية .
خلال اللقاء ، أكد YerliKaya على أنّ ما تقوم به رئاسة الهجرة و وزارة الداخلية من عمليات ( مكافحة الهجرة غير الشرعية ) ما هي إلاّ إجراءات كان قد طالب بها الرئيس Erdoğan منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة ( العام الفائت ) .
كذلك ، أشار YerliKaya بأنّ ما تقوم مديرية الهجرة في مدينة عنتاب سيتم تطبيقه من قبل مديريات الهجرة في كلٍ من ( أورفة + كلّس ) خلال الأيام القادمة .
▪︎ بعض الكوادر و وسائل الإعلام السورية قدّمت و سوّقت إنتهاكات رئاسة الهجرة في حق اللاجئين السوريين المقيمين في عنتاب على أنّها نتيجة خطابات قادة المعارضة التركية ، دون أن تتجرأ على ذكر حقيقة أنّ بيان المنظمات التركية جاء بناءً و عقب تصريحات زعيم حزب الحركة القومية ( حليف الرئيس Erdoğan ) ، و دون أن تتطرق لما أشار إليه YerliKaya في لقائه يوم أمس مع المنظمات التركية و تأكيده أن كل القرارات و السلوكيات الوظيفية لمديريات و عناصر الهجرة هي بتوجيه من Erdoğan و منذ اليوم الأول من تشكيل الحكومة ( تحت إدّعاء مكافحة الهجرة غير الشرعية ) ، و دون أن تذكر أنّ عمليات إغلاق أماكن عمل اللاجئين السوريين تتم بتوجيهات و إشراف رئاسة بلدية عنتاب الكبرى ( تترأسها فاطمة شاهين من حزب العدالة و التنمية ) .
في المقابل ، غاب القسم المتبقي من تلك الكوادر و الوسائل الإعلامية ( السورية ) عن توثيق ما يفرض على اللاجئين السوريين في مدينة عنتاب من إنتهاكات و وضعهم من قبل مديرية الهجرة بوضع أشبه ما يمكن ( بالإقامة الجبرية ) ، صمت هذه الكوادر و الوسائل لا يمكن وصفه إلا كتواطؤ ( مذل ) مع سياسات رئاسة الهجرة في فرض العودة القسرية على اللاجئين السوريين ، مقدمين في برامجهم و تقاريرهم الإعلامية مواداً عن جوانب و مظاهر إندماج اللاجئين السوريين مع المجتمع التركي .
▪︎ وقائع الإنتهاكات التي باتت تطبقها مديرية الهجرة في مدينة عنتاب على اللاجئين السوريين تأتي في ظل صمت ما يقارب 380 منظمة مجتمع مدني سورية مرخصة في المدينة ، دون أن ننسى صمت رئاسة و أعضاء الحكومة ( السورية ) المؤقتة و التي تقع مقراتهم و مكاتبهم على بعد أمتار من مآسي ما تتعرض له العائلات و الأسر السورية .
مؤسسات المعارضة السورية و المنظمات و الهيئات و اللجان المرفقة بها و التي كانت / ما زالت تتخذ مدينة عنتاب مقراً لها لم تكُ قادرةً ( تتجرأ ) على إصدار بيان واحد تتضامن فيه مع واقع اللاجئين السوريين في المدينة .
هذه المؤسسات كانت قبل يومين قد أصدرت بياناً ترفض فيه عمليات الترحيل القسرية التي تنفذها الحكومة اللبنانية في حق العائلات و الأسر السورية اللاجئة في لبنان .
كذلك ، جاء صمت هذه المؤسسات و المنظمات السورية تزامناً مع مشاركتها و عقدها لمؤتمرات تحت مسميات ( التعافي المبكر ) و ( التمكين الإقتصادي ) في مناطق الشمال السوري ، حيث تسعى هذه المؤسسات و المنظمات من خلال هذه المؤتمرات لتقديم مناطق الشمال السوري كمناطق آمنة مؤهلة لعودة اللاجئين السوريين ، و هي ضمنياً باتت ( أداة ) لتنفيذ سياسات و قرارات دول إقليمية و دولية ذات الشأن في المسألة السورية ، و باتت تؤكد إدّعاءات رئاسة الهجرة التي تعتبر مناطق الشمال السوري مناطق آمنة و تتخذ من هذا الإدّعاء ذريعة لترحيل اللاجئين السوريين .
بعض هذه المنظمات و الهيئات شكّلت لنفسها تجمعاً يضم عدداً من منظمات المجتمع المدني السورية ( قرابة 40 منظمة ) ، بعض مدراء هذه المنظمات أكدوا لنا بأنّهم يدفعون سنوياً قرابة ( 30 ) ألف دولار كرسوم إشتراك و للمشاركة في هذا التجمع ، على أن يعود ريع هذه الإشتراكات السنوية لإنشاء هيئة حقوقية تدافع عن حقوق اللاجئين السوريين في تركيا .
هذه الرسوم يتم دفعها منذ 3 أعوام ، أي أنّ هذه الهيئة تتلقى سنوياً ما يناهز مليون و 200 ألف دولار ، أي ما يعادل 3 ملايين و 600 ألف دولار خلال السنوات الثلاث الماضية .
ما هو الدور الذي قامت به هذه الهيئة في ميدان الدفاع عن حقوق اللاجئين السوريين ؟ ما هي المسارات و المشاريع القانونية التي تم تنفيذها خلال السنوات الماضية ؟ ما هو عدد الملفات و القضايا التي تابعتها هذه الهيئة ؟ أين تم صرف ما يتم تجميعه من رسوم سنوية ؟
▪︎ نتفق جلّنا على أنّ قادة في تيارات و أحزاب المعارضة كان / ما زال لهم دور مؤثر في التحريض على اللاجئين السوريين في تركيا ، و ذلك من خلال نشرهم لخطاب الكراهية و التمييز العنصري في كل مقام ٍ و مقال ٍ .
لكن ، لا يمكن إنكار الدور الأبرز للتيار الحاكم ( على رأسهم حزب العدالة و التنمية ) في تغيير رؤية المجتمع التركي تجاه اللاجئين السوريين .
كذلك ، لا يمكن تجاهل أنّ كل ما يتعرض له اللاجئون السوريون من انتهاكات جسيمة و مفجعة ( ممنهجة ) في مراكز الترحيل تتم تحت دراية و إدراك معظم كوادر و قيادات رئاسة الهجرة و الحكومة .
بالرغم من ذلك ، ما تزال ( فئة ) من السوريين قدموا أنفسهم ( كقادة رأي و كوادر إعلامية ) مستمرة في ( عبوديتها ) المقيتة و تبرئة الحكومة من كل ما يتعرض له اللاجئون السوريون من إنتهاكات .
هذه ( الفئة ) ما هي إلاّ جزء من مشروع ( هندسة ) وعي المجتمع السوري وفق مسار و إطار محددين من قبل أدوات و جهات جمّة .
أرى ، بأنّ عمليات الترحيل ( القسرية ) التي أقرتها رئاسة الهجرة في مدينتي عنتاب و كلّس سيتبعها الأمر نفسه في مدن أورفة و مرسين و هاتاي و مرعش ، و هو ما يمثل توزع اللاجئين السوريين على إمتداد الشريط الحدودي الجنوبي ( معظم اللاجئين السوريين المتواجدين في هذه المدن / في هذا الشريط الحدودي هم من مناطق الشمال السوري و إدلب ) و هو ما ( قد ) تكون الحكومة التركية قد اعتمدته في جدولتها المرحلية من إعادة اللاجئين السوريين وفق شرائح مجتمعية أو جغرافية محددة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق