ما بين مرسي والسيسي ..هل استفاد الشرع من الدرس
هل استفاد الشرع فعلا من الدرس وكيف ؟
وائل الحموي ✍️ما أكثر العيون التي ذرفت دموع الفرح عند سماع الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات "محمد محمد مرسي عيسى العياط "رئيسا لجمهورية مصر العربية ، أخيرا يمكن للإسلاميين حكم انفسهم بالشريعة وقد وصلوا الى الحكم ديموقراطيا كما يريد الغرب ويشتهي ،لكن عام واحد كان كفيل بإنهاء هذا الحلم وتحطيمه بالكامل لتعود الأمور الى سيطرة الدولة العميقة من جديد بل واستحكمت الدولة بشراسة لم يكن لها مثيل حتى أيام حسني مبارك نفسه، ما الذي جرى وهل استفاد احمد الشرع من هذا الدرس فعلا ام انه مازال يرتكب نفس الأخطاء
يمكن تلخيص ما جرى في مصر بدولة عميقة متمثلة بمجلس عسكري متمترس بقاعدة فساد مالي واداري متجذرة في الدولة ومؤسساتها، يتبع له جهاز امني قوي ومتسلط ، بالإضافة لجناح قضائي متشبك بالمصالح الاقتصادية مع المجلس العسكري على أسس المنفعة المتبادلة ، وعلى ذلك فليصل من يصل الى سدة الرئاسة طالما انه يساير أهواء الدولة العميقة فالأمور تسير بشكل سلس وسيدخل مباشرة بمعادلة المنفعة المتبادلة وسرعان ما سيصبح جزء من هذه المنظومة او سيواجه عرقلة كاملة ولن يستطيع التصرف بما يحكم وسيدخل بصراع مع هذه المنظومة لكنه محسوم النتائج حتى قبل بدئه وهذا ما كان، وما ساعد به هو الطريقة البدائية التي حكم بها مرسي مصر فمع حسن النوايا وسذاجة بعض الأفعال وتغليب طريقة وأسلوب حكم الجماعة على منطق حكم الدولة بالإضافة لدعم خارجي ضعيف جدا سياسيا واقتصاديا بالإضافة لبداية مناوشات مع المنظومة الدولية اكثر ما تجلت بإجراءات تسهيل العبور من معبر رفح وعليه فقد تجاوز خطا فاقع الاحمرار دوليا ،هنا تجلت عرقلة الدولة العميقة للحكم القائم فمع كل قرار كان موقف القضاء معطلا وناقدا بحجة حرية القضاء ونزاهته وعدم تداخل السلطات الى ان تفاقمت الأمور وأغلقت طرق الإصلاح وبدأت رموز نظام مبارك تعود للواجهة من بوابات مختلفة وبأحكام براءة صادمة استشعر العامة ان لا ثورة انتصرت ولا يد طولى لمرسي في إدارة الدولة وجرى ما رسم رغم كل الدعم الشعبي الهائل الذي حصل عليه مرسي ، اما السيسي الذي وصل بانقلاب مكتمل الأركان فكان اسرع ما حصل عليه دعم دولي واقليمي واضح وجلي خصوصا انه ابن نفس المؤسسة العسكرية المتجذرة في أعماق الدولة ويمثل بشكل صارخ مصالح هذه المنظومة العميقة و لديه قدرة على التوافق مع باقي اذرع المؤسسة العسكرية ومتشبك معها بنفس شبكة المصالح والمنفعة السلطوية والاقتصادية وبالتالي استقرار الحال لما كان عليه الوضع في عهد مبارك وعلى هذا كان لديه كل الدعم القضائي والأمني والاقتصادي الذي يحتاجه لتثبيت اركان الحكم مجددا لصالح نفس المنظومة بغض النظر عن الدعم الشعبي الذي لم يعد مهما وتم تهميشه واستعادة القبضة الأمنية بشكل اكثر استحكاما مما كان عليه الوضع في عهد مبارك .
هل استفاد الشرع فعلا من الدرس وكيف ؟
اما الان وقد انقضى سبعة اشهر على زوال نظام الأسد ووصول الشرع الى سدة الرئاسة وعلى اختلاف ما يروى عن طريقة الوصول هل هي فتح إسلامي عظيم ام اتفاق استلام وتسليم ولكل ادلته واستدلالاته ولكن ما يتفق عليه ان الشرع استلم دولة منهارة في جميع المناحي لا يوجد فيها حتى أي بقايا لكيان عميق يمكن ان يشكل أدنى تهديد ،ولكن بالمقابل هناك ثلاث قوى رئيسية يجب التعامل معها كطرف فاعل وهم قوات قسد بقيادة عبدي ، دروز السويداء بقيادة الهجري ، وكان لابد من إيجاد شخصية قيادية علوية لها وزنها الفاعل بالحرب ليتم انتدابها ممثلا وقائدا مقبولا عن فئة العلويين ولم يكن ليجد افضل من فادي صقر احد اشهر قادة الميليشيات العلوية للتصدي لهذه المهمة ومن هنا يستدل أصحاب نظرية الاستلام والتسليم و يحاججون ويتساءلون عن الحاجة للتعامل مع هذه الأطراف بمنطق الشريك لا الخصم المهزوم ولماذا تعلق الاوسمة بدل المشانق حسب كل البروتوكولات المتبعة في الثورات المنتصرة ؟! الا اذا كنا ضحية اتفاق طائف جديد يضمن استلام الشرع للحكم مقابل ضمانات أولها العفو عن رؤوس الاجرام من كل الأطراف واغلاق دفاتر الحساب بنتيجة صفر أرباح صفر خسائر والاكتفاء بمحاكمات شكلية لبعض صغار القوم ، وثانيها تأكيد السلامة المطلقة للدولة العبرية وثالثا الانخراط بمنظومة دولية قائمة دون الخروج عن النص والتخلي عن أفكار الامة الإسلامية والمحافظة على علمانية الدولة عمليا اما ما يخص الدستور وما يكتب للعامة فلا مانع من بعض الأسلمة حفاظا على تبعية الشارع ومن رافق بمسيرة الثورة طالما ان الامر سيبقى حبر على ورق ، من هنا نجد ان الشرع استفاد من تجربة مرسي والسيسي بحيث انه حصل على شرعية شعبية تجلت واضحة بأحداث الساحل بهدف حماية مكتسبات الثورة الذي عد عودة مقام الرئاسة لطيف الأغلبية احد اهم مكتسباتها وساعد ذلك الشرع في دعم حصوله على شرعية دولية اكبر وتقديم أوراق اعتماده للمنظومة الدولية واتباع خطوطها خصوصا فيما يخص الدولة العبرية و الفصائل ذات التوجه الإسلامي المعلن وحتى من لم ينصاع من القادة بتغيير التوجه من تحرير الشام وبلاد الإسلام الى الاكتفاء بدمشق وبعض المحافظات دون باقي سوريا حتى بهذا كسب الأهم وهو الشرعية الدولية والاوثق للحكم من الشرعية الشعبية ، وفيما يخص طريقة الحكم فكان الإعلان واضحا ان سوريا ما بعد الثورة ستدار بمنطق الدولة لا الثورة وهو ما يتمثل اليوم بسرية الإجراءات والقرارات والتفرد المطلق بالحكم بما يراه الرئيس ومن حوله من دائرة القرار مناسبا دون حتى اطلاع العامة بأبسط الإجراءات المختلفة لنرى الرئيس بشكل مفاجئ على طاولة توقيع اتفاق مفاجئ مع احد امراء الحرب مظلوم عبدي ، ولنجده يقدم عفوا ومكرمات التسامح مع ثاني طرف من امراء الحرب فادي صقر بل ويمنحه سلطة العفو عمن يراه مناسبا للمرحلة بحجة توثيق رباط السلم الاهلي ،اما ما تظهره الصورة العامة من تهاون وترك الحبل على الغارب لقائد قوات الدروز في الجنوب فهو اشبه بمنحهم سلطة لامركزية في مناطقهم ولكن دون اعلان رسمي ،
من هنا نجد المزج بين ما فعله مرسي من تسليم مناصب الدولة بناءا على الولاء لا الكفاءة فنجد عائلة الشرع تحجز غرفها في القصر الرئاسي بحجة ضرورات المرحلة والرجال الثقات ، وتسليم اقربائه واعيانه مفاصل الدولة في مختلف الاختصاصات دون أي تأهيل او خبرة بحجة التجربة الادلبية الناجحة ، وبين ما فعله السيسي من نسج شبكة مصالح داخل الدولة العميقة تبقيه بقيادة هرم السلطة فنجد الشرع اليوم يستدرج كل اركان الدولة العميقة السابقة اقتصاديا وامنيا وقضائيا لأنه يعلم مسبقا ان مؤسسات الدولة الفاسدة التي دعا للحفاظ عليها يوم التحرير هي مفتاح الحفاظ على السلطة المطلقة والولاء فتشكيل دولة جديدة ونسج شبكة علاقات فاسدة تضمن الولاء بحكم الإبقاء على الفساد يحتاج الى ترف الوقت الذي لا يمتلكه حاليا ، لذلك تم استدعاء الشبكة القديمة من مدراء ورؤساء عشائر وواجهات مالية معروفة لإعادة تشبيك المصالح لقاء بعض المنافع أحيانا والتنازلات أحيانا أخرى والمقابل عفو تام وولاء مطلق ،هل هذا يعني ان الشرع فاسد ؟ باعتقادي لا لكنه مدرك تماما انه ان لم ينجح بضبط اركان دولة الأسد السابقة وضمان السيطرة والولاء المطلق له فلن يهنئ بحكم مريح وسيتشكل ضده تحالف من امراء الحرب المذكورين مع قوة اقتصادية كبيرة تحتفظ بكل مقدرات البلد منذ عقود ولم تتنازل عنها بالإضافة لمنظومة فساد قضائية لازالت قائمة الى الان ولكن يمكن القول انها تختبئ كنعامة تخفي رأسها داخل التراب ، هذا التحالف ان لم يشكل تهديد مباشر على الحكم فسيكون ورقة ضغط دولية تستعمل ضد الشرع في حال خرج عن النص .
بناءا عليه يبدو ان الشرع اليوم مهتم اكثر بالشرعية الدولية لتوطيد اركان الحكم وغير مهتم كثيرا بحاضنة الثورة خاصة انها إسلامية محافظة يكرهها الغرب فتهميشها لن يشكل أي مساس باركان الحكم بل سيشجع الدول الغربية اكثر على زيادة الدعم له بل ويؤمن ان هذه الحاضنة التي يقوم بتهميشها لن تتوانى عن الدفاع عنه بأحلك الأوقات لأنها تؤمن ان الشرع على مساوئه افضل من ضياع سدة الرئاسة مجددا للأقليات ، كل هذا لا يتناقض مع تصريحه بجعل سوريا من مصافي الدول المتقدمة وحلمه بتجسيد التجربة السنغافورية في سوريا فالرجل يطمح لغرس اسمه في تاريخ سوريا ولن يقبل الا ان يذكر كما يذكر اتاتورك في تركيا وديغول فرنسا ومانديلا جنوب افريقيا ولكن سيكون ذلك على حساب كثير من الثوابت الي وصل بها الى الحكم أساسا ،فهل يفعلها كما فعلها سابقا ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اترك تعليق لتشجيعنا على الاستمرار دمتم بكل خير مع تحيات شبكة زينو ياسر محاميد