عزوف الشباب عن الزواج وواجب تيسير المهور
واجب تيسير المهور للزواج
الزواج هو اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، وهو سُنّة من سُنن الأنبياء، قال الله تعالى: "ولقد أرسلنا رسلًا من قبلك وجعلنا لهم أزواجًا وذرية" [الرعد: 38]. وقد حثّ الإسلام على الزواج ويسّره، وجعل من أهم أركانه المهر، ولكنه لم يحدده بقدر مُلزِم، بل جعله حقًا للمرأة، وقابلاً للتفاوض، وفقًا لما يتيسر للطرفين.
المغالاة في المهور... عائق أمام الزواج
في كثير من المجتمعات، تحوّل المهر من رمز تكريمٍ وتقدير للمرأة إلى عبء ثقيل يرهق كاهل الشباب، ويتسبّب في تأخر سنّ الزواج أو العزوف عنه. ويؤدي ذلك إلى العديد من المشكلات الاجتماعية، كالعنوسة، والوقوع في الحرام، وتفكك القيم.
وقد حذّر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من التشدّد في المهور، فقال: "إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة" [رواه أحمد]. وكان مهر أزواجه وبناته عليه الصلاة والسلام بسيطًا، مما يدلّ على أن التيسير هو الأصل.
أهمية تيسير المهور
1. تسهيل الزواج: تقليل تكاليف الزواج، وخاصة المهر، يشجع الشباب على الإقدام عليه، ويقلّل من العقبات التي تعيق تكوين الأسرة.
2. حماية المجتمع: بتسهيل الزواج، تقلّ الفتن، وتحفظ الأعراض ويُسدّ باب الفساد والانحراف.
3. نشر القيم الإسلامية: التيسير في الزواج يعكس التمسك بتعاليم الإسلام في البعد عن التكلّف والمظاهر.
مسؤولية المجتمع في التيسير
تيسير المهور ليس واجبًا على الفرد فقط، بل هو مسؤولية جماعية:
الآباء والأمهات: عليهم أن يتخلوا عن العادات التي تربط مكانة البنت بالمهر، ويقتدوا بسنة النبي.
العلماء والدعاة: يجب أن ينشروا الوعي بأهمية التيسير، ويحذروا من نتائج التغالي في المهور.
المؤسسات الرسمية: يمكنها وضع قوانين أو مبادرات تشجع على الزواج وتُيسر شروطه.
فالمهر ليس ثمنًا للمرأة، بل هو تكريم لها، والإسلام شرعه برحمة وتيسير. لذا فإن تيسير المهور واجب شرعي واجتماعي، يحقق مقاصد عظيمة، ويحفظ استقرار الأفراد والمجتمعات. فلتكن دعوتنا دائمًا: "زوّجوا الأيامى منكم، ويسّروا
عزوف الشباب عن الزواج: الأسباب والتحديات والحلول
في السنوات الأخيرة، بات عزوف الشباب عن الزواج ظاهرة مقلقة تستدعي التوقف عندها، خصوصًا في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يشهدها العالم العربي والمجتمعات الإسلامية. فالزواج، الذي كان يُعدّ محطة طبيعية في حياة الإنسان، أصبح خيارًا مؤجَّلًا أو مرفوضًا لدى عدد متزايد من الشباب، مما يترك أثرًا مباشرًا على بنية الأسرة والمجتمع.
أولاً : الأسباب الرئيسة لعزوف الشباب عن الزواج
1. الأوضاع الاقتصادية الصعبة
تُعدّ الظروف الاقتصادية من أبرز العوامل التي تقف حائلًا بين الشباب والزواج. فتكاليف المعيشة المرتفعة، وغلاء المهور، وارتفاع أسعار السكن والتجهيزات، كلها تجعل من الزواج مشروعًا مكلفًا يحتاج إلى سنوات من الادخار أو الديون. كما أن معدلات البطالة بين الشباب، أو محدودية الدخل، تجعل التفكير في الزواج خطوة مؤجلة إلى أجل غير معلوم.
2. البحث عن الاستقرار المهني والتعليمي
يرى الكثير من الشباب أن الزواج قد يُعيق طموحاتهم في الدراسة أو التوظيف، فيؤجلونه حتى يضمنوا الاستقرار الوظيفي والمادي. وفي بعض الحالات، تمتد هذه المرحلة لفترة طويلة مما يؤدي إلى عزوف دائم أو فقدان الرغبة في الزواج.
3. الخوف من الفشل الأسري والطلاق
مع ارتفاع معدلات الطلاق في العديد من الدول، بدأ الكثير من الشباب ينظرون إلى الزواج كمغامرة غير مضمونة. فقد أصبحت التجارب الفاشلة تُخيف المقبلين على الزواج، وتزرع فيهم التردد، خاصة إذا نشؤوا في بيئة أسرية مضطربة.
4. تغير المفاهيم الاجتماعية والثقافية
تشهد مجتمعاتنا تحولًا ملحوظًا في نظرة الأفراد للعلاقات الأسرية. فقد أصبحت بعض المفاهيم المستوردة من الغرب مثل “الحرية الشخصية” و"العزوبية كخيار حياة" أكثر شيوعًا. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تروّج لصورة نمطية عن الزواج على أنه تقييد للحرية لا يليق بالشباب العصري.
5. غياب التوعية والاستعداد النفسي للزواج
يواجه بعض الشباب ضعفًا في الثقافة الأسرية، ويفتقرون لفهم طبيعة الحياة الزوجية ومسؤولياتها. كما تفتقر المناهج التعليمية والمؤسسات التربوية إلى تقديم برامج حقيقية تؤهل الشباب للزواج، نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.
6. شروط الأهل والمعايير المجتمعية المعقدة
أحيانًا، تكون العوائق من داخل الأسرة، مثل التشديد في شروط الزواج، أو التمسك بتقاليد ومعايير مبالغ فيها، كاشتراط مستوى مادي معين، أو نسب معين، أو حتى مواصفات شكلية معينة في الشريك.
ثانيًا : الآثار المترتبة على عزوف الشباب عن الزواج
تأخر سن الزواج يؤدي إلى تراجع معدلات الإنجاب، مما ينعكس على التركيبة السكانية.
ارتفاع معدلات الانحراف الأخلاقي والعلاقات غير الشرعية نتيجة غياب الإطار الشرعي للعلاقة.
زيادة الشعور بالوحدة والاكتئاب بين الشباب الذين يعيشون دون شريك حياة أو دعم أسري.
تفكك العلاقات الأسرية عندما يشعر الآباء والأمهات بالعجز عن تزويج أبنائهم أو بناتهم، مما يولد ضغوطًا نفسية متبادلة.
ثالثًا : الحلول المقترحة لمواجهة الظاهرة
1. إطلاق حملات توعية وتثقيف حول الزواج
من الضروري أن تنخرط المدارس والجامعات والمؤسسات الدينية في برامج تأهيلية تشرح مفهوم الزواج وأهميته وتحدياته.
2. التخفيف من تكاليف الزواج
عن طريق تشجيع الزواج الجماعي، والتقليل من المظاهر الاستهلاكية، ونشر ثقافة القناعة والبساطة.
3. تشجيع المبادرات المجتمعية والدعم الحكومي
مثل توفير قروض ميسرة للزواج، ودعم السكن للشباب، وإنشاء صناديق زواج تديرها مؤسسات خيرية.
4. تعديل المفاهيم الخاطئة عن الزواج
من خلال الإعلام والمنصات الاجتماعية، لإعادة تقديم الزواج كاستقرار وسكن نفسي لا كقيد أو عبء.
5. تشجيع الحوار الأسري والتفاهم بين الأجيال
لضمان أن تكون شروط الزواج واقعية، بعيدة عن التعقيدات والقيود المبالغ بها
الزواج ليس مجرد عقد اجتماعي، بل هو ميثاق غليظ لبناء أسرة متماسكة ومجتمع قوي. ومع تفهُّم التحديات التي يواجهها الشباب اليوم، لا بد من تكاتف الجهود بين الدولة والمجتمع والأسرة لتيسير سبل الزواج وتقديم الدعم النفسي والمادي للشباب المقبلين عليه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اترك تعليق لتشجيعنا على الاستمرار دمتم بكل خير مع تحيات شبكة زينو ياسر محاميد